من اجل كنيسة سينودسية
شراكة - مشاركة -رسالة

المسيرة السينودُسيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة... دليل مختصر "للسير معاً"
تستعدّ الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وضمنها الكنيسة المارونية والكنائس الشرقية الكاثوليكية في لبنان والمنطقة العربية، للجمعية العامّة العاديّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة في روما المزمع عقده في روما في تشرين الأول 2023، حول موضوع: "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة".
ولهذه الغاية، أعد النائب البطريركيّ العامّ على منطقة صربا للموارنة #المطران بولس روحانا، انطلاقا من "الوثيقة التحضيريّة" (Document préparatoire)، الّتي أصدرتها الأمانة العامة لسينودس الأساقفة في روما وأرفَقَتْها "بدليل رسمي" (Vademecum) مرتبط بها ومكمِّل لها، "دليلا مختصرا" بالعربية يهدف الى القاء الضوء على أبرز النقاط الواردة في هذين المستندين، وذلك لمواكبة المرحلة الأولى من المسيرة السينودُسية، الّتي تمتدّ من تشرين الأول 2021 الى نيسان 2022، ولمساعدة كهنة الرّعايا ومعاونيهم في المهمّة الموكولة إليهم خلال المرحلة الاولى من هذه المسيرة السينودُسية... من أجل "السَّير معًا".
وجاء في الدليل المختصر:
- يشهدُ العديد من المجتمعات حولَ العالَم سلسلةَ أزماتٍ عميقة تشمل المستويات الصّحيّة والبيئيّة والإقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة، ممّا يدفعُ بالإنسان على حَدِّ قَولِ قداسة البابا فرنسيس إلى التذكّر بأنّه لا يُمكن للمرء أن يَخلُصَ بذاته منفردًا بل مع الآخرين (وثيقة، عدد 5). ويرى قداستُهُ في هذه الأزمات "علاماتِ أزمنة" لا بُدَّ للكنيسة مجتمعةً من التقاطها وقراءتها وتفسيرها في ضوء دعوتها ورسالتها، بهدف التوصّل من خلال "السَّير معًا"، لا كمسيحيّين وحسب بل أيضًا مع إخوتنا في العائلة البشريّة، إلى إيجاد حلول مشتركة لقضايانا المشتركة.
-في هذا السِّياق، جاءَت دعوةُ قداسته الأخيرة إلى عَقدِ الجمعيّةِ العامّة العاديّة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة في روما، في شهر تشرين الأول 2023، للتفكُّرِ بموضوع "السَّير معًا" تحت عنوان: "من أجل كنيسة سينودُسيّة: شركة ومشاركة ورسالة". ويَتَبَيَّنُ من قول قداسته أنَّ الكنيسة لن تُحقِّقَ رسالتَها الإنجيليّة، وفقَ قلب مُعلِّمِها، ما لم تكن في كيانها "سينودُسيّة"، أي بالتزام الأشخاص والمؤسّسات فيها "السَّير معًا" بالشركة والمشاركة، نهجَ حياة. ويعتبر قداسته "أنَّ طريقَ السينودُسيّة هو الطّريق الذي ينتظرهُ الله من كنيسة الألفيّة الثالثة" (وثيقة، عدد 1). في هذا القول صدًى لما جاءَ على لسانِ يوحنّا الذهبيّ الفم في تفسيره للمزمور 149 قائلًا: "الكنيسة والسينودُس، كلمتان مترادفتان" (وثيقة، عدد 11). ويستمدّ "السّير معًا" ماويّتَه الروحية الضروريّة في سبيل الشراكة والرّسالة بقدر ما تُدرك الكنيسة أنّها شركة (communion) في جوهرها على مثالِ الشركة الثالوثية القائمة على المحبةِ بين الآب والإبنِ والروح القدس. فالله الآب دعاها لتكون شعبًا له بعد أن أقام عهد خلاصٍ معها؛ وفي ملء الزّمن خَطَبَها لابنه الوحيد يسوع المسيح، الّذي خلّصها بدم صليبه وجَعَلَها جسدَهُ المتنوّع الأعضاء، والّذي يجدُ وحدتَه فيه، فيما كلّ واحدٍ منّا هو عضوٌ للآخرين (روم 12/4-5)؛ وأحياها بروحه القدوس يوم العنصرة، بعد أن أقامها كنيسةً رسوليةً ورسالية للعالمِ أجمع، ساكباً فيها مواهبَهُ المتنوعة من أجل تحقيق "الخير العام" (1كور 12/7؛ دليل، مقدمة، عدد 4).
- وبموجب الآلية الواردة في كلّ من الوثيقة والدليل بشأن تلك المشاورة السينودُسيّة، عَيَّنَ سينودس الأساقفة الموارنة سيادة المطران منير خير الله، راعي أبرشيّة البترون السامي الاحترام، "منسّقًا بطريركيًّا" عن الكنيسة المارونيّة لمواكبة هذه المشاورة بالتعاون مع منسّقي الأبرشيّات المارونيّة وجمعيّات الحياة المكرّسة، الّذين تمَّ تعيينهم لهذا الأمر من قِبَل رؤسائهم (دليل، القسم الأوّل، عدد 5).
-تبدأُ المرحلة الأولى من المسيرة السينودُسيّة في كنيستنا المارونيّة بعد احتفالَين متوالِيَين بقداس الإفتتاح، الأوّل، على الصعيد البطريركيّ في بكركي، يوم السبت الواقع في 23 تشرين الأول 2021، الساعة الخامسة ب.ظ.؛ والثاني، على الصعيد الأبرشي، يومَي السبت والأحد الواقِعَين في 6 تشرين الثاني 2021 و7 منه مع بداية السنة الطقسيّة المارونيّة في أوقاتٍ تحدّدها كل ابرشية بمفردها. وترتكز المرحلة الاولى من المسيرة السينودُسيّة على مشاورة شعب الله انطلاقًا من محاور عشرة مرفقةٍ بأسئلة تعرضها الامانة العامة للسينودُس بشكل غير حصريّ لتكون منطلقًا للاصغاء والحوار والتمييز واتخاذ القرارات ضمن النطاق الابرشيّ.
أمّا الإجابات على المحاور العشرة، فتُجمَع مِن قِبَلِ المُنسِّق الأبرشيّ في خلاصة أبرشيّة مُوحَّدَة لا تتجاوز العشر صفحات وتُرسَل إلى المنسِّق البطريركيّ، الذي تعود اليه والى فريق عمله مهمّة جمعِها في خلاصة بطريركيّة مُوحَّدَة ترسل الى الامانة العامة لسينودُس الاساقفة.
-ومن شأن الخلاصات الوافدة في نيسان 2022 إلى الأمانة العامة لسينودُس الأساقفة من كل الكنائس المحلّيّة في العالم أن تُشكِّل المادة الأساس لصياغة "وثيقة العمل" الأولى، التّي تُصدرها الأمانة العامة المذكورة في أيلول 2022 (Instrumentum laboris I) لِتُناقَش بعدئذٍ في اجتماعاتٍ سينودُسيّة سبعة على صعيد القارات، واحدة منها تخصّ منطقة الشرق الأوسط، وهي تقع على عاتق مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك (CPCO) (راجع دليل، القسم الثالث، عدد 3). وبنتيجة المداولات القارّيّة، تُصدِرُ الأمانة العامة للسينودُس في حزيران 2023 "وثيقة العمل" الثانية (Instrumentum laboris II)، لتكون أداة العمل في الجمعيّة العامة لسينودُس الأساقفة، في تشرين الأول 2023 (دليل، القسم الثالث، عدد 1-4)0
-على الرغم من صعوبة التقدّم في "السير معًا"، يلاحظ الدّليل الرسميّ "أنّ الأمل يبقى كبيرًا بأن تُفضي خبرةُ المسار السينودُسي الى ربيعٍ جديدٍ قائم على الاصغاء والتّمييز والحوار واتخاذ القرار، بحيث يتمكّن شعب الله بكامله من "السّير معًا" بشكلٍ أفضل، لا مع بعضنا البعض وحسب بل أيضا مع العائلة البشريّة بأسرها، بقيادة الرّوح القدس."(دليل، القسم الثالث عدد 5).
- وبالعودة الى المشاورة على صعيد شعب الله حول موضوع السينودُسيّة، نورد أوّلًا السؤال الرئيسيّ الّذي تتمحور حوله تلك المشاورة ونعرض ثانيًا المحاور العشرة مع الأسئلة المرافقة لها.
السؤال الرّئيسيّ والمحاور العشرة والأسئلة المرافقة لها
السؤال الرّئيسيّ:
"الكنيسة السينودُسيّة "تسير معًا" وهي تُعلنُ الإنجيل".
كيف يتحقَّق اليوم هذا "السَّير معًا" في كنيستك الخاصّة؟ ما هي الخطوات التي يدعونا الروح إلى إتمامها حتى ننموَ في "السَّير معًا"؟" (وثيقة عدد 26؛ دليل، القسم الأول، عدد 3).
المحاور العشرة والأسئلة المرافقة لها
1- رفاق الدرب
في الكنيسة والمجتمع نكون جنبًا إلى جنب على الطريق ذاته.
مَن هم الذين "يسيرون معًا" في أبرشيّتك وفي رعيّتك؟ مَن هم رفقاء الدرب الذين نسير معهم حتى ولو كانوا من خارج الدائرة الكنسيّة؟ مَن هم الأشخاص والجماعات الذين يُترَكون على الهامش؟
2- الإصغاء
الإصغاءُ هو الخطوة الأولى في "السَّير معًا"، إلّا أنّه يتطلَّب انفتاح الفكر والقلب من دون أحكام مسبقة.
كيفَ يتمُّ الإصغاء إلى العلمانيّين، وبخاصّة النساء والشباب؟ هل نستطيع تحديد الأحكام المسبقة والأفكار النمطيّة (stéréotypes) التي تُعيق الإصغاء؟ ما الذي يُسهِّل الإصغاء أو يمنعُه؟ كيف نحتضن إسهام المكرّسين والمكرّسات؟ ما هي حدود طاقتنا على الإصغاء وبخاصة حيال الذين يختلفون معنا في الآراء؟ ما هي المساحة المتاحة لأصوات الأقليّات، وبخاصة الفقراء والمهمّشين والذين يُعانون من الإقصاء الاجتماعيّ؟
3- أخذ الكلام (Prendre la parole)
الجميع مدعوّون إلى التكلّم بجرأة وبكلّ حرّيّة، بالحقيقة والمحبّة.
ما الذي يسمَح أو يُعيق أخذ الكلام بجرأة وبشكلٍ مسؤول في رعيّتك وأبرشيّتك وفي المجتمع؟ متى وكيف نقوى على قول ما يبدو لنا مهمًّا؟ ما هي العلاقة مع وسائل الإعلام بشكلٍ عام؟ مَن هم الذين يتكلّمون باسم الجماعة المسيحيّة وكيفَ يتمُّ اختيارهم؟
4- الاحتفال بكلمة الله وبالإفخارستيا
"السَّير معًا" لا يكونُ ممكنًا إلّا إذا كان قائمًا على الإصغاء الجماعيّ لكلمة الله وعلى الاحتفال بالإفخارستيا.
كيف يمكن للصلاة والاحتفال الليتورجي أن يُلهما ويُوجِّها "السَّير معًا" بشكلٍ فاعل في حياتنا المشتركة ورسالتنا في الجماعة؟ كيف يمكن للصلاة والافخارستيا أن تُلهما القرارات الأكثر أهميّة؟ كيف نشجّع المؤمنين على المشاركة الحيّة في الليتورجيا؟
5- تقاسم المسؤولية على صعيد الرسالة المشتركة (Coresponsables dans la mission)
السينودُسيّة هي في خدمة رسالة الكنيسة وبالتّالي يُدعى جميع أعضائها، بصفتهم تلاميذ رسلًا ليسوع، الى المشاركة في تلك الرسالة.
ما هي المعوّقات التي تحول دون أن يكون المعمّدون ناشطين في الرسالة؟ كيف تدعم الجماعة المسيحية الأعضاء فيها الذين يخدمون المجتمع من خلال الالتزام الاجتماعي والسياسي، والبحث العلمي، والتربية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، والدّفاع عن حقوق الانسان وعن البيئة؟ كيف تُساعد الكنيسة ابناءها على عيش خدمتهم حيال المجتمع بشكل رساليّ؟ كيف يتمّ التعاون بين الكنائس ذات الحق الخاص (sui iuris) القائمة على مساحة واحدة؟
6- الحوار في الكنيسة وفي المجتمع
الحوار طريقٌ يتطلّب المثابرة والصّبر ولكنّه يُتيح أيضًا الفهم المتبادل.
الى أي مدى يلتقي النّاس في جماعتنا للتحاور في ما بينهم؟ ما هي أماكن ووسائل الحوار في كنيستنا؟ كيف نُقارب الاختلافات في الرؤية أو الخلافات والمشاكل؟ ما هي المشاكل الخاصة في الكنيسة والمجتمع التي تستدعي منّا اهتمامًا خاصًا؟ ما هي خبرات الحوار والتّعاون مع المؤمنين من دياناتٍ أُخرى ومع أولئك الذين ليس لديهم انتماء ديني؟ كيف تتحاور الكنيسة مع قطاعات المجتمع وتتعلّم منها في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع المدنيّ؟
7- الحوار مع الطّوائف المسيحية الأُخرى
يحتلُّ الحوار بين المسيحيين من كنائس وجماعات كنسيّة مختلفة، والذين تجمع بينهم المعمودية الواحدة، مكانةً خاصة في المسار السينودُسي.
ما هي طبيعة العلاقات بين جماعتنا الكنسيّة والمسيحيين المنتمين الى تقاليد مسيحيّة مختلفة؟ ما الذي يجمع بيننا وكيف نسير معًا؟ ما هي الثّمار التي جنيناها من السّير معًا وما هي الصعوبات التي واجهناها؟
8- السلطة والمشاركة
الكنيسة السينودُسيّة هي كنيسة المشاركة "وتقاسم المسؤولية" (Coresponsabilité).
كيف نحدّد الأهداف التي يجب متابعتها، والطريق للوصول اليها، والخطوات العمليّة لتحقيقها؟ كيف تُمارَس السّلطة داخل كنيستنا؟ ما هي طرق ممارسة العمل الفريقيّ وطرق ممارسة تقاسم المسؤوليّة؟ كيف يتمّ تشجيع الخدمات العلمانية وتحمّل المسؤولية من قبل المؤمنين؟ كيف تعمل المجالس السينودُسيّة (المجالس الكهنوتية، والراعوية، والأبرشيّة، إلخ...) على صعيد الكنيسة الخاصّة؟
9- التمييز واتّخاذ القرارات
تُتَّخذ القرارات في المسار السينودُسي من خلال تمييزٍ على قاعدة توافقٍ ينبع من الطاعة المشتركة للروح القدس.
ما هي الآليات والطرق التي نميّز من خلالها معًا ونتّخذ القرارات؟ كيف يمكن تحسينها؟ كيف يمكننا تعزيز مشاركة الجميع في القرارات داخل الجماعات المنظّمة بشكل هرميّ؟ كيف نربط بين المرحلة الاستشارية ومرحلة التداول؛ بين المسار الذي يقود الى صنع القرار (decision-making) واللحظة التي بها يُتّخذ القرار؟ بأيّ طريقةٍ وبأيّة وسائل نُعزّز الشفافية والمساءلة (accountability)؟
10- التنشئة على السينودُسيّة
روحانية السّير معًا مدعوّة الى ان تكون الاساس التربوي للتنشئة الانسانية والمسيحية للشخص كما للعائلات والجماعات.
كيف ننشّئُ الأشخاص، سيّما الذين يشغلون مناصب مسؤولية داخل الجماعة المسيحية، لجعلهم أكثر أهليّةً على السّير معًا والاصغاء المتبادل والحوار؟ أي تنشئةٍ نقدّم على صعيد التمييز وممارسة السلطة؟
الخاتمة
للمحافظة على روحانيّة "السّير معًا" وتعزيزها، لا يسعُنا إلّا ان نذكّر بلائحة "التجارب/الفخاخ" (pièges) التسعة التي يُمكنها أن تُعرقل مسيرتنا السينودُسيّة. نكتفي هنا بذكر عناوينها كما وردت في الدليل الرسمي للسينودُس (دليل، القسم الثاني، عدد 4):
1- تجربة الرّغبة في قيادة انفسنا بدل من أن يقودنا الله؛ 2- تجربة التركيز على أنفسنا واهتماماتنا المباشرة؛ 3- تجربة ألّا نرى إلّا المشاكل؛ 4- تجربة التّركيز فقط على البُنى والهيكليّات؛ 5- تجربة ألّا نتطلّع أبعد من الحدود المنظورة للكنيسة؛ 6- تجربة أن نفقد أهداف المسار السينودُسيّ؛ 7- تجربة الخلاف والانقسام؛ 8- تجربة التعامل مع السينودُس وكأنه منتدى نيابيّ (sorte de parlement)؛ 9- تجربة ألّا نسمع سوى الذين هم معنيّون بنشاطات الكنيسة.